إن أمتنا اليوم تعيش في حالة هزيمة حضارية وتخلّف على مستوى ضياع الكثير من أراضي المسلمين، واستهداف بلادهم من قبل الاستعمار الجديد، والتجزئة والاستبداد، ونهب ثرواتهم، واختراقهم سياسيًا واقتصاديًا وعسكريًا وإعلاميًا وثقافيًا، وبالتالي فإن كل مسلم رجلاً كان أم امرأة مطالب بالاضطلاع بواجبه للخروج من هذه الحالة والانتصار على التحديات وتجاوزها.
ومن نافلة القول التأكيد على أن المرأة المسلمة مطالبة بالجهاد والنضال والمشاركة في معارك الأمة بشرط أن يكون ذلك في إطار الضوابط الشرعية، ولكنني أضيف هنا أن تلك الضوابط الشرعية ليست مطلوبة في حالة المرأة فقط، ولكنها مطلوبة في حالة المرأة والرجل وفي كل موضوع وفي كل قضية.
إن عملية النهوض الإسلامي التي يريد المخلصون منا القيام بها تتعرض لكثير من التشويش والتزييف في محاولة لوأدها، وكلما كثرت أراجيف هؤلاء المشككين وشبهاتهم في قضية ما أدركنا أهميتها وخطورتها، لأنه لولا تلك الأهمية والخطورة لما اهتموا بها.
فهؤلاء المشبوهون مثلاً يثيرون الشبهات حول قضية الجهاد؛ لأنه الطريق الطبيعي والوحيد أمام أمتنا لانتزاع حقوقها واستعادة مكانتها الحضارية وتجاوز التحديات، وهم يثيرون الشبهات حول قضية المرأة في الإسلام؛ لأنهم يدركون أن المرأة المسلمة حين تشارك في الجهاد والنضال الإسلامي العام فسوف تكون عاملاً مهمًا في ترجيح كفة الإسلام على أعدائه في الداخل والخارج، وبالتالي تشكل خطرًا هائلاً على المشروع الاستعماري المعادي للأمة، ورصيدًا ضخمًا للمشروع الإسلامي الذي يستهدف إنهاض الأمة وتجاوز تحدياتها واستعادة سيادتها الحضارية.
وفي هذا الصدد فإننا إزاء تيار رئيس في الأمة الإسلامية المعاصرة يستلهم موقفه الأصيل من الإسلام من خلال القرآن الكريم والسنة النبوية الشريفة وكافة مصادر ووسائل التشريع الصحيحة والمعمول بها، وهذا التيار يعرف للمرأة حقوقها ويدفعها إلى المشاركة الواسعة في معارك الأمة في كل مجال، وعلى جانبي هذا التيار الرئيس هناك تياران هامشيان؛ أحدهما يتمثل في تيار يحبذ الانغلاق والجمود ويخلط بين ما هو شريعة وما هو تقاليد أو عادات، ويريد إخضاع المرأة المسلمة لحالة من السلبية والتهميش والعزلة وحبسها في التقاليد بحسبانها من الإسلام،
والثاني يتمثل في تيار تغريبي مرتبط بالاستعمار يريد أن يحوّل المرأة إلى سلعة تجارية ويجردها من إنسانيتها ويدفعها في طريق الانحلال والتغريب ومعاداة ثقافتها ودينها، ويزعم هذا التيار أنه يريد تحرير المرأة في حين أنه يريد استعبادها وتبعية المرأة والرجل والمجتمع بأسره للاستعمار والخضوع له.
ومن العجيب أن لهذا التيار التغريبي الذي يزعم تحرير المرأة، موقفًا مشينًا من تحرر المجتمع كله من الاستعمار والتبعية، بل إن كل رموز هذا التيار -بلا استثناء- معروفون بعمالتهم للاستعمار والدعوة للخضوع له، ويدعون إلى إلغاء ثقافتنا وهويتنا والانخراط الكامل في ثقافة وهوية الغرب الصليبي.
إن الرموز الحقيقية لتحرر المرأة في بلادنا العربية هن اللاتي خُضْنَ المعارك من أجل استقلال بلادهن والدفاع عن الأرض والثقافة والهوية من أمثال للا فاطمة التي قادت انتفاضة مسلحة ضد الاستعمار الفرنسي في الجزائر في أوائل الاحتلال الفرنسي للجزائر، أو شهيدات ثورة التحرير الجزائري 1954 1962 أمثال الشهيدة فضيلة سعدان أو أم محمد أو تلك المرأة الفلسطينية التي تشارك في الانتفاضة، أو المجاهدة الفلسطينية الشابة عواطف، أو المرأة السودانية التي تخرج في المظاهرات أو مارست الجهاد ضد التمرد في الجنوب، أو المرأة الأفغانية التي شاركت في تحرير بلادها من الاستعمار الروسي أو المرأة المصرية التي شاركت في الكفاح المسلح ضد الحملة الفرنسية أو شاركت في ثورة 1919 أو تلك التي دخلت السجن دفاعًا عن عقيدتها.
يتبع