عن ابن عباس قال: كان رسول الله (صلى الله عليه وآله) جالساً ذات يوم وعنده علي وفاطمة والحسن والحسين (عليهم السلام)، فقال (صلى الله عليه وآله): اللهم إنك تعلم أن هؤلاء أهل بيتي، وأكرم الناس عليَّ، فأحبِب من أحبَّهم، وأَبغِض من أبغضهم، ووالِ من والاهم، وعاد من عاداهم، وأعنْ من أعانهم، واجعلهم مطهرين من كل رجس، معصومين من كل ذنب، وأيِّدهم بروح القدس منك.
ثم قال (صلى الله عليه وآله): يا علي أنت إمام أمَّتي، وخليفتي عليها بعدي، وأنت قائد المؤمنين إلى الجنَّة، وكأني أنظر إلى ابنتي فاطمة قد أقبلت يوم القيامة على نجيب من نور، عن يمينها سبعون ألف مَلَك، وعن يسارها سبعون ألف مَلَك، وبين يديها سبعون ألف مَلَك، وخلفها سبعون ألف مَلَك، تقود مؤمنات أمَّـتي إلى الجنة.
فأيُّمَا امرأة صَلَّت في اليوم والليلة خمسَ صلوات، وصامت شهرَ رمضان، وحَجَّتْ بيتَ الله الحرام، وزكَّت مالَها، وأَطاعت زوجَها، ووالت عليّاً بعدي، دخلت الجنـَّة بشفاعة ابتني فاطمة، وإنها لسيدة نساء العالمين.
فقيل: يا رسول الله أهي سيدة نساء عالمها ؟
فقال (صلى الله عليه وآله): ذاك لمريم بنت عمران، فأمَّا ابنتي فاطمة فهي سيدة نساء العالمين من الأوَّلين والآخرين، وإنها لتقوم في محرابها فيسلِّم عليها سبعون ألف مَلَك من الملائكة المقرَّبين، وينادونها بما نادت به الملائكة مريم، فيقولون: يا فاطمة: ( إِنَّ اللهَ اصْطَفَاكِ وَطَهَّرَكِ وَاصْطَفَاكِ عَلَى نِسَاءِ العَالَمِينَ ) (آل عمران: 42).
ثم التفت (صلى الله عليه وآله) إلى علي (عليه السلام) فقال: يا علي، إنَّ فاطمة بضعة مني وهي نور عيني، وثمرة فؤادي، يسوؤُني ما سَاءَهَا، ويسرُّني ما سَرَّها، وإنها أول من يلحقني من أهل بيتي، فأحسن إليها بعدي.
وأما الحسن والحسين فهما ابنايَ وريحانتايَ، وهما سَيِّدا شباب أهل الجنَّة، فَلْيَكْرُمَا عليك كَسَمْعِكَ وَبَصَرِكَ.
ثم رفع (صلى الله عليه وآله) يده إلى السماء فقال: اللهم إني مُحِبٌّ لمن أحبَّهم، ومُبغِضٌ لمن أبغضهم، وسِلْمٌ لِمَن سَالَمَهُم، وحَربٌ لِمن حَارَبَهُم، وَعدوٌّ لمن عَادَاهم، ووليٌّ لمن وَالاهم.
- منزلة فاطمة الزهراء ( عليها السلام )
مما لا شك فيه أن نبي الهدى محمد (صلى الله عليه وآله): (لاَ يَنطِقُ عَنِ الهَوَى * إِنْ هُوَ إِلاَّ وَحْيٌ يُوحَى ) (النجم: 3 – 4).
فما يصدر منه مع خاصَّة أهله مما فيه الميزة على ذوي قرباه وأمته منبعث عن سِرٍّ إلهي، رُبَّما يقصر العقل عن إدراكه.
وقد ورد عنهم (عليهم السلام) في المتواتر من الآثار: (حديثُنا صَعبٌ مُستَصْعَب، لا يتحمَّلُهُ إلا مَلَكٌ مُقرَّب، أو نَبيٌّ مُرسَل، أو عَبدٌ امتحَنَ اللهُ قَلبَهُ بِالإِيمَان).
فما ورد في الروايات من مميِّزات آل الرسول (صلى الله عليه وآله) – مما لا تحيله العقول – لا يُرمى بالإعراض، بعد إمكان أن يكون له وجه يظهره المستقبل الكَشَّاف.
وعلى هذا فما ورد في الآثار المستفيضة بين السُّنَّة والشيعة من فعل النبي (صلى الله عليه وآله) مع ابنته فاطمة الزهراء (عليها السلام) من الإكثار في تقبيل وجهِها حتى أنكَرَت عليه بعض أزواجه فقال (صلى الله عليه وآله) رَادّاً عليها:
(وما يَمنَعُني من ذلك، وَإنِّي أَشَمُّ منها رائحة الجَنَّة، وهي الحَوراء الإِنسِيَّة).
وكان (صلى الله عليه وآله) يقوم لها إن دَخَلَتْ عليه، مُعَظِّماً وَمُبَجِّلاً لها، وإذا سافرَ (صلى الله عليه وآله) كانَ آخرُ عَهدِهِ بإنسانٍ مِن أهلِه ابنتَهُ فاطمة (عليها السلام)، وإذا رجع من السفر فأوَّل مَا يَبتدِئُ بِها.
وقال (صلى الله عليه وآله) وقد أخذ بيده الشريفة الحسنين (عليهما السلام):
(مَن أحَبَّنِي وَهَذَين وأبَاهُما وأُمَّهُمَا كان مَعي في دَرَجَتِي يَوم القِيامَة).
وكان (صلى الله عليه وآله) يقف عند الفجر على باب فاطمة (عليها السلام) ستة أشهر بعد نزول آية التطهير، يُؤذَّنهم للصَّلاة ثم يقول:
(إِنَّمَا يُرِيدُ اللهُ لِيُذهِبَ عَنكُمِ الرِّجْسَ أَهلَ البَيتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطهِيراً) (الأحزاب 33).
وقال (صلى الله عليه وآله) لفاطمة (عليها السلام):
(يا بُنَيَّة، مَن صَلَّى عَليك غَفَر اللهُ لَهُ، وأَلحَقَهُ بي حَيثُ كنتُ من الجَنَّة).
وقال (صلى الله عليه وآله) أيضاً:
(أَنَا حَربٌ لِمَن حَارَبَهُم، وَسِلمٌ لِمَن سَالَمَهُم، وَعَدُوٌ لِمَن عَادَاهُم).
وقال (صلى الله عليه وآله) أيضاً:
(فَاطِمَةٌ بضعَةٌ مِنِّي يُؤذِينَي مَا آذَاهَا، وَيُرِيبُنِي مَا رَابَهَا).
وقال (صلى الله عليه وآله) أيضاً:
(إِنَّ فَاطمةَ بضعَةٌ مِنِّي، يُغضِبُنِي مَن أَغضَبَهَا).
وإلى غير ذلك من كلماته الشريفة التي تنمُّ عَمَّا حَباها المُهَيمِن جَلَّ شَأنُه من ألطاف ومزايا اختصَّت (عليها السلام) بها دون البشر، وكيف لا تكون كذلك، وقد اشتُقَّت من النور الإلهي الأقدس.
ولقد عَلِمنا من مقام النبوة، ومِمَّا ورد في نصوص السُّنَّة النبوية والعَلَوِيَّة أنَّ النبي (صلى الله عليه وآله) لم يُحِبْ أحداً لِمَحضِ العاطفة، أو واشجة القُربى.
فما يلفظه (صلى الله عليه وآله) من قول، أو ينوء به من عمل، ولا سيما في أمثال المقام، لا يكون إلا عن حقيقة راهنة، وليس كمن يحدوه إلى الإطراء الميول والشهوات.
فما صدر منه (صلى الله عليه وآله) من خصائص الصديقة الطاهرة (عليها السلام) لا يكون إلا عن وحي يحاول أن يرفع مستواها عن مستوى البشر أجمع.
فالرسول الأعظم (صلى الله عليه وآله) لم يصدع إلا بحقائق راهنة، جعلتها يَدُ المشيئة حيث أجرت عليها سَيلَ الفضلِ الرُّبُوبِي، فهي نماذج عن الحقيقة المُحَمَّدية المجعولة حلقة بين المبدأ والمنتهى، ورابطة بين الحديث والقديم.
وبالنسبة إلى آية التطهير: (إِنَّمَا يُرِيدُ اللهُ لِيُذهِبَ عَنكُمِ الرِّجْسَ أَهلَ البَيتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطهِيراً)(الأحزاب 33).
فقد اتفقت آراء المفسرين وأرباب الحديث والتاريخ على أنها نزلت فيمن اشتمل عليهم الكِسَاء.
وهم: النَّبيُّ الأعظمُ مُحَمَّدٌ (صلى الله عليه وآله)، وَوَصيَّهُ المُقَدَّمُ عَلِيٌّ بن أبي طالب أميرُ المؤمنين (عليه السلام)، وابنَتُهُ فَاطِمَةُ الزهراءِ (عليها السلام)، وَسِبطَاهُ سَيِّدَا شباب أهل الجَنَّة الحَسَنِ والحُسَيْنِ (عليهما السلام).
ولم يُخْفَ المُرادُ من الرِّجسِ المَنفِي في الآية الكريمة بعد أن كانت وَارِدَة في مقام الامتنان واللُّطف بمن اختصَّت بهم.
فإِنَّ الغرضَ بمقتضى أداة الحصر قَصرُ إرادةِ المولى سبحانه على تطهير مَن ضَمَّهُمُ الكِسَاء عن كُلِّ ما تَستقذِرُه الطِّبَاع، ويأمر به الشيطان، ويَحقُّ لأجله العذاب، ويُشِينُ السُّمْعَةَ، وتُقتَرفُ بِه الآثامُ، وتَمُجُّه الفِطرَة، وَتسقُطُ به المُرُوءَة.
- شهادات الرسول (صلى الله عليه وآله) لفاطمة (عليها السلام) (إنَّ اللهَ لَيَغضب لِغَضَبِ فاطمة ويَرضَى لِرِضَاها).
(فَاطِمة بضعة مني، مَن آذاها فَقَد آذاني، ومن أحَبَّها فقد أحَبَّني).
(فاطمة قَلبي، ورُوحي التي بين جَنبَيَّ).
(فاطِمَة سَيِّدة نساء العالمين).
هذه الشهادات، وأمثالها تواترت في كتب الحديث والسيرة عن رسول الله (صلى الله عليه وآله)، الذي لا يَنطُقُ عن الهوى، ولا يتأثَّر بنسبٍ أو سَبَبٍ، ولا تأخذه في الله لَومَةَ لائِم.
إن أوسِمَة من خاتم الرُسُل على صدر فاطمة الزهراء (عليها السلام)، تزداد تألُّقاً كُلَّما مَرَّ الزمن، وكلما تطوَّرَت المجتمعات، وكلما لاحظنا المبدأ الأساس في الإسلام.
- في كلامٍ قاله (صلى الله عليه وآله) لها (عليها السلام):
(يَا فَاطِمة اِعملي لنفسك، فإني لا أغني عنكِ مِن الله شيئاً).
فاطمة الزهراء (عليها السلام)، هذه مثال المرأة التي يريدها الله، وقطعة من الإسلام المُجَسَّد في محمد (صلى الله عليه وآله)، وقدوة في حياتها للمرأة المسلمة، وللإنسان المؤمن، في كل زمان ومكان.
إن الزهراء (عليها السلام) هي القدوة، والمثل الأعلى الذي نصبَهُ رَبُّ العِزَّة ليقتدي به المؤمنون عامَّة، والمؤمنات خاصَّة.
وهذه الشخصيَّة الفريدة التي مَنَّ بها الباري على رسوله الأكرم (صلى الله عليه وآله)، وسمَّاهَا (الكوثر) في قرآنه الكريم، قد ارتَقَت في العظمة والعصمة.
وقد شاء الله أن يصير رضاها رضىً لله تعالى، وغضبها غضباً لله تعالى، ولا عجبَ حينئذٍ أن يكون قد حارب النبي (صلى الله عليه وآله) مَن حارَبَ الزهراء (عليها السلام)، وسالَمَه من سالمها.
فالزهراء (عليها السلام) إذاً هي الميزان الذي يُوزَن به إيمان الناس، ودرجة استقامتهم على طريق الهُدى والخير، والإخلاص والخلوص.
وكذلك المعيار الذي يُعرَف به رضى الله تعالى ورسوله الأكرم (صلى الله عليه وآله) وغضبهما.
فكَونها بضعة للنبي (صلى الله عليه وآله) يُرضيه ما يرضيها ويُغضبه ما يُغضبها ـ لا يعني كونها (عليها السلام) جزءاً من كيانه الجسدي والمادِّي، من حيث بُنوَّتِها له.
لأنه (صلى الله عليه وآله) لا ينطلق في أقواله وأفعاله من موقف العصبيَّة للقرابة أو للعِرق.
ولأن الزهراء (عليها السلام) لو لم تكن على درجة عظيمة من الإيمان، لما نَالَت ما نَالَت.
وذاك ابن نوح نفاه الله تعالى عن أبيه، لمَّا فارقه في العمل، فقال: (إِنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِكَ)(هود: 42).
ليست قليلة تلك الشعلة التي التهبت بها شخصية هذه المرأة العظيمة (عليها السلام)، فإن تَكُن سيدة نساء العالمين فَمِن هذا المَعِينِ تَسْتَقي.
فهي ابنة نبي رَبَط حاضر الأجيال بماضيها (عليها السلام)، ووصلها بكل زمان يأتي.
فبهذه الهالة القدسية اتَّشحت شخصيتها (عليها السلام)، آخِذَة عن أبيها عبء مسؤولية الأجيال.
وتزوَّجت (عليها السلام) رجلاً، كان زواجها منه (عليه السلام) تحقيقاً للمُخَطَّط العظيم، وتنزيلاً لقُدْسِيَّة الكلمة.
وكان زواجها استكمالاً لِمَتَانة ما أُنِيطَ بها، وما كان الحسن والحسين (عليهما السلام) غير نتاج هذا الرباط الذي اكتملت به المشيئة.
هكذا ارتبط التاريخ برباط، وهكذا اتَّشحت فاطمة (عليها السلام) بقدسية هذا الرباط، هالة اتَّشحت بها سيدة نساء العالمين (عليها السلام) إزاراً من نبوة، وإزاراً من إمامة، وإزاراً من أُمُومة.
ـ من فيوضات فاطمة الزهراء (عليها السلام)
لم تكتفِ الزهراء فاطمة (عليها السلام) بما هيّأ لها بيت الوحي من معارف وعلوم، ولم تقتصر على الاستنارة العلمية التي كانت تُهَيِّئُّها لها شموس العلم والمعرفة المحيطة بها من كلِّ جانب.
فقد كانت تحاول في لقاءاتها مع أبيها رسول الله (صلى الله عليه وآله)، وبَعْلها (عليه السلام) باب مدينة علم النبي (صلى الله عليه وآله) أن تكتسبَ من العلوم ما استطاعت.
وإنَّ هذا الجهد المتواصل لها في طلب العلم ونشره، قد جعلها من كُبرَيات رواة الحديث، ومن حَمَلَة السُنَّة المطهرة.
حتى أصبحَ كتابها الكبير الذي كانت تعتزُّ به أشدَّ الاعتزاز يُعرف باسم (مصحَفْ فاطمة)، وانتقل إلى أبنائها الأئمة المعصومين (عليهم السلام) يتوارثونه كابراً عن كابر.
ويكفيك دليلاً على ذلك وعلى سُمُوِّهَا فكراً، وكمالها علماً، ما جادت به قريحتها من خطبتين ألقتهما (عليها السلام) بعد وفاة رسول الله (صلى الله عليه وآله)، إحداهما بحضور كبار الصحابة في مسجد الرسول (صلى الله عليه وآله)، والأخرى في بيتها على نساء المهاجرين والأنصار.
وقد تَضَمَّنَتَا صُوَراً رائعةً من عُمقِ فكرها وأصالته، واتِّسَاع ثقافتها، وقُوَّة منطقها، وصِدق نبوءاتها، فيما ستنتهي إليه الأمَّة بعد انحراف القيادة.
هذا فضلاً عن رِفعة أدبها، وعظيم جهادها في ذات الله، وفي سبيل الحقِّ تعالى.
لقد كانت الزهراء (عليها السلام) من أهل بيت اتَّقُوا الله، وعلَّمَهم الله - كما صَرَّح بذلك الذكر الحكيم -، وهكذا فطمها الله بالعلم فَسُمِّيَت بـ( فَاطِمَة )، وانقطعت عن النظِير فَسمِّيت بـ(البَتُول).
وإليك أيها القارئ الكريم بعضاً من أقوالها وأحاديثها وأدعيتها المباركة (عليها السلام):
الأول:
قالت (عليها السلام): (واحمُدُوا الذي لعظمته ونوره يبتغي مَن في السماوات والأرض إليه الوسيلة، ونحن وسيلتُهُ في خَلْقه، ونحن خاصَّته، ومحلُّ قُدسِه، ونحن حُجَّتُه في غيبه، ونحن ورثة أنبيائه).
الثاني:
رغَّبَت (عليها السلام) في حُسن النيَّة، فقالت: (مَن أصعد إلى الله خالصَ عبادته، أهبط اللهُ إليه أفضلَ مصلحته).
الثالث:
أجابت (عليها السلام) امرأةً جاءتها بسؤال زَوجِها في هل أنَّه مِن شيعتهم، أم لا ؟
فقالت (عليها السلام) لها: (قُولِي لَه: إِنْ كنتَ تعملُ بما أمَرْناك، وتنتهي عمَّا زجرناك عنه، فأنتَ مِن شيعتنا، وإلاَّ فلا).
الرابع:
في مكارم الأخلاق قالت (عليها السلام): (البِشْر في وَجه المؤمن يُوجِب لِصَاحِبِه الجنَّة).
الخامس:
نَبَّهت (عليها السلام) إلى المقام الأسمى فقالت: (أبَوا هذه الأُمَّة مُحَمَّدٌ وعَليٌّ، يُقيمانِ أودَهم، ويُنقذانِهم مِن العذاب الدائم إن أطاعوهما، ويُبيحانِهمُ النعيمَ الدائمَ إن وافقوهما).
السادس:
روت (عليها السلام) عن أبيها المصطفى (صلى الله عليه وآله)، قالت: (إنَّ رسول الله (صلى الله عليه وآله) كان يعوِّذُ الحسن والحسين، ويُعلِّمُهما هؤلاءِ الكلمات، كما يعلِّمهما السورة من القرآن، يقول: أعوذُ بكلماتِ اللهِ التامَّة، مِن شرِّ كلِّ شيطانٍ وهامَّة، ومِن كلِّ عينٍ لامَّة).
السابع:
تساءلت (عليها السلام) مُتعجِّبة: (ما يصنعُ الصائم بصيامٍ إذا لم يَصُنْ لسانَهُ، وسمعَهُ، وبَصَرَهُ، وجَوَارِحَهُ ؟!).
الثامن:
كان من أدعيتها (عليها السلام): (بسم الله الرحمن الرحيم، يا حيُّ يا قَيُّوم، برحمتِك أستغيثُ فأغِثْني، ولا تَكِلْني إلى نفسي طَرْفةَ عينٍ أبداً، وأصلِحْ لي شأني كلَّه.
اللَّهُمَّ قَنِّعْني بما رزقتَني، واسترني وعافني أبداً ما أبقيتني، واغفر لي وارحمني.
اللَّهُمَّ لا تُعْيِني في طلبِ ما لا تُقدِّرُ لي، وما قدَّرتَه عليّ فاجعلْه مُيَسَّراً سهلاً.
اللَّهُمَّ كافِ عَنِّي والدَيَّ، وكلَّ مَن له نعمةٌ علَيَّ خيرَ مكافأة.
اللَّهُمَّ فرِّغْني لِما خلقتَني له، ولا تشغلني بما تكفّلتَ لي به، ولا تُعذِّبْني وأنا أستغفرك، ولا تَحرِْمني وأنا أسألك.
اللَّهُمَّ ذَلِّلْ نفسي في نفسي، وعظِّمْ شأنك في نفسي، وألهِمْني طاعتَك، والعملَ بما يرضيك، والتجنُّب لما يُسخطك، يا أرحم الراحمين).
التاسع:
قالت (عليها السلام) في خطبتها بياناً للتوحيد: (وأشهد أن لا إله إلا الله، وحده لا شريك له، كلمةً جعل الإخلاصَ تأويلَها، وضمَّن القلوب موصولها، وأنار في التفكير معقولها، الممتنع من الأبصار رؤيتُه، ومِن الألسن صفتُه، ومن الأوهام كيفيَّته.
ابتدع الأشياء لا مِن شيء كان قبلها، وأنشأها بلا احتذاءِ أمثلةٍ امتثلها، كَوَّنها بقدرته، وذرأها بمشيَّته، مِن غير حاجةٍ منه إلى تكوينها، ولا فائدةٍ له في تصويرها، إلاَّ تثبيتاً لِحِكمته، وتنبيهاً على طاعته، وإظهاراً لقدرته، وتَعَبُّداً لبريَّته، وإعزازاً لدعوته.
ثمَّ جعل الثواب على طاعته، ووضع العقاب على معصيته، ذيادةً لعباده من نقمته، وحياشةً لهم إلى جنَّتِه).
العاشر:
قالت (عليها السلام) في بعثة أبيها رسول الله (صلى الله عليه وآله): (ابتعثه اللهُ إتماماً لأمره، وعزيمةً على إمضاء حُكْمه، وإنقاذاً لمقادير حتمه، فرأى الأمم فِرَقاً في أديانها، عُكَّفاً على نيرانها، عابدةً لأوثانها، مُنكِرةً لله مع عرفانها، فأنار الله بأبي مُحمَّدٍ (صلى الله عليه وآله) ظُلَمَها، وكشف عن القلوب بهمَها، وَجَلَى عن الأبصار غممَها.
وقام في الناس بالهداية، فأنقذهم من الغواية، وبَصَّرَهم من العماية، وهداهم إلى الدين القويم، ودعاهم إلى الصراط المستقيم).