عدد الرسائل : 373 أوسمة : تاريخ التسجيل : 02/06/2008
موضوع: تفسير سوره محمد الثلاثاء يونيو 17, 2008 10:37 am
سورة محمد من السور المدنية، وهي تُعْنى بالأحكام التشريعية، شأن سائر السور المدنية، وقد تناولت السورة أحكام القتال، والأسرى، والغنائم، وأحوال المنافقين، ولكنَّ المحور الذي تدور عليه السورة هو موضوع "الجهاد في سبيل الله"؟
* ابتدأت السورة الكريمة بدءاً عجيباً، بإِعلان حربٍ سافرة على الكفار أعداء الله، وأعداء رسوله، الذين حاربوا الإِسلام، وكذبوا الرسول صلى الله عليه وسلم، ووقفوا في وجه الدعوة المحمدية، ليصدوا الناس عن دين الله {الذين كفروا وصدُّوا عن سبيل الله أضلَّ أعمالهم ..} الآيات.
* ثم أمرت المؤمنين بقتال الكافرين، وحصدهم بسيوف المجاهدين، لتطهير الأرض من رجسهم، حتى لا تبقى لهم شوكةٌ ولا قوة، ثم دعت إلى أسرهم بعد إكثار القتل فيهم والجراحات {فإِذا لقيتم الذين كفروا فضرب الرقاب، حتى إذا أثخنتموهم فشدُّوا الوَثاق ..} الآيات.
* ثم بيَّنت طريق العزَّة والنصر، ووضعت الشروط لنصرة الله لعباده المؤمنين، وذلك بالتمسك بشريعته، ونصرة دينه {يا أيها الذين ءامنوا إن تنصروا الله ينصركم ويثبِّتْ أقدامكم..} الآيات.
* وضربت لكفار مكة الأمثال بالطغاة المتجبرين من الأمم السابقة، وكيف دمَّر الله عليهم بسبب إجرامهم وطغيانهم {أفلم يسيروا في الأرض فينظروا كيف كان عاقبة الذينَ من قبلهم دمَّر الله عليهم وللكافرين أمثالها}.
* وتحدثت السورة بإِسهاب عن صفات المنافقين، باعتبارهم الخطر الداهم على الإِسلام والمسلمين، فكشفت عن مساوئهم ومخازيهم ليحذر الناس مكرهم وخبثهم {ولو نشاء لأريناكم فلعرفتهم بسيماهم ..} الآيات.
* وختمت السورة الكريمة بدعوة المؤمنين إلى سلوك طريق العزة والنصر، بالجهاد في سبيل الله وعدم الوهن والضعف أمام قوى الشر والبغي، وحذَّرت من الدعوة إلى الصلح مع الأعداء، حرصاً على الحياة والبقاء، فإِن الحياة الدنيا زائلة فانية، وما عند الله خيرٌ للأبرار {فلا تَهنوا وتَدْعوا إلى السَّلْمِ وأنتم الأعلون واللهُ معكم ولن يتركم أعمالكم * إِنما الحياة الدنيا لعِبٌ ولهوٌ وإِن تؤمنوا وتتقوا يؤتكم أجوركم ولا يسألكم أموالكم ..} إلى نهاية السورة الكريمة.
وهكذا ختمت السورة بالدعوة إلى الجهاد، كما بدأت بالدعوة إليه، حفزاً لعزائم المؤمنين، وليتناسق البدء مع الختام ألطف التئام !!
{الَّذِينَ كَفَرُوا وَصَدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ} هذا إِعلان حربٍ من الله تعالى على أعدائه وأعداء دينه والمعنى الذين جحدوا بآيات الله وأعرضوا عن الإِسلام، ومنعوا الناس عن الدخول فيه {أَضَلَّ أَعْمَالَهُمْ} أي أبطلها وأحبطها وجعلها ضائعة لا ثواب لها لأنها لم تكن لله فبطلت، والمراد أعمالهم الصالحة كإِطعام الطعام، وصلة الأرحام، وقرى الضيف، قال الزمخشري: وحقيقة إِضلال الأعمال جعلُها ضالةً ضائعة، ليس لها من يتقبلها ويثيب عليها كالضالة من الإِبل، التي لا ربَّ لها يحفظها ويعتني بأمرها، والمراد بأعمالهم التي عملوها في كفرهم بما كانوا يسمونه "مكارم الأخلاق"، من صلة الأرحام، وفك الأسارى، وقرى الأضياف، وحفظ الجوار {وَالَّذِينَ ءامنوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ} أي جمعوا بين الإِيمان الصادق، والعمل الصالح {وَآمَنُوا بِمَا نُزِّلَ عَلَى مُحَمَّدٍ} أي صدّقوا بما أنزل الله على رسوله محمد صلى الله عليه وسلم تصديقاً جازماً لا يخالجه شك ولا ارتياب وهو عطف خاص على عام، والنكتةُ فيه تعظيم أمره والاعتناء بشأنه، إشارةً إِلى الإِيمان لا يتمُّ بدونه، ولذا أكَّده بقوله { وَهُوَ الْحَقُّ مِنْ رَبِّهِمْ} أي وهو الثابت المؤكد المقطوع بأنه كلام الله ووحيهُ المنزَّل من عند الله، والجملة اعتراضية لتأكيد السابق {كَفَّرَ عَنْهُمْ سَيِّئَاتِهِمْ} أي أزال ومحا عنهم ما مضى من الذنوب والأوزار {وَأَصْلَحَ بَالَهُمْ} أي أصلح شأنهم وحالهم، في دينهم ودنياهم، ثم بيَّن تعالى سبب ضلال الكفار، واهتداء المؤمنين فقال {ذَلِكَ بِأَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا اتَّبَعُوا الْبَاطِلَ} أي ذلك الإِضلال لأعمال الكفار بسبب أنهم سلكوا طريق الضلال، واختاروا الباطل على الحق {وَأَنَّ الَّذِينَ ءامنوا اتَّبَعُوا الْحَقَّ مِنْ رَبِّهِمْ} أي وأن المؤمنين سلكوا طريق الهدى، وتمسَّكوا بالحق والإِيمان المنزل من عند الرحمن {كَذَلِكَ يَضْرِبُ اللَّهُ لِلنَّاسِ أَمْثَالَهُمْ} أي مثل ذلك البيان الواضح، بيَّن الله أمر كلٍ من الفريقين - المؤمنين والكافرين - بأوضح بيانٍ، وأجلى برهان ليعتبر الناس ويتعظوا.
{والذين قتلوا}: أخرج ابن أبي حاتم عن قتادة في قوله: {والذين قتلوا في سبيل الله} قال: ذُكر لنا أن هذه الآية نزلت يوم أحد، ورسول الله صلى الله عليه وسلم في الشِّعْب، وقد نشِبت فيهم الجراحات والقتل، وقد نادى المشركون يومئذ: اعْلُ هُبَل (أكبر أصنامهم) ونادى المسلمون: الله أعلى وأجل، فقال المشركون: إن لنا العُزّى ولا عُزَّى لكم، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: قولوا: الله مولانا، ولا مولى لكم.
وبعد إِعلان هذه الحرب السافرة على الكافرين أمر تعالى المؤمنين بجهادهم فقال {فَإِذا لَقِيتُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا فَضَرْبَ الرِّقَابِ} أي فإِذا أدركتم الكفار في الحرب فاحصدوهم حصْداً بالسيوف، قال ابن جزي: وأصله فاضربوا الرقاب ضرباً ثم حذف الفعل وأقام المصدر مقامه والمراد: اقتلوهم، ولكنْ عبَّر عنه بضرب الرقاب لأنه الغالب في صفة القتل {حَتَّى إِذَا أَثْخَنتُمُوهُمْ فَشُدُّوا الْوَثَاقَ} أي حتى إِذا هزمتموهم وأكثرتم فيهم القتل والجراحات ولم تبق لهم قوة للمقاومة فأْسروهم وكفُّوا عن قتلهم، قال الزمخشري: وفي هذه العبارة {فَضَرْبَ الرِّقَابِ} من الغلظة والشدة ما ليس في لفظ القتل، لما فيها من تصوير القتل بأشنع صورة، وهو حزُّ العنق وإِطارة الرأس عن البدن، ولقد زاد من هذه الغلظة في قوله {فاضربوا فوق الأعناق واضربوا منهم كل بنان} ومعنى {أَثْخَنتُمُوهُمْ} أكثرتم قتلهم وأغلظتموه {فشدُّوا الوثاق} أي فأسروهم، والوثاقَ اسم لما يربط من حبلٍ وغيره {فَإِمَّا مَنًّا بَعْدُ وَإِمَّا فِدَاءً} أي ثم أنتم مخيَّرون بعد أسرهم إِمَّا أن تمنُّوا عليهم وتطلقوا سراحهم بلا مقابل من مال، أو تأخذوا منهم مالاً فداءً لأنفسهم، ولكن بعد أن تكونوا قد كسرتم شوكتهم، واعجزتموهم بكثرة القتل والجراح {حَتَّى تَضَعَ الْحَرْبُ أَوْزَارَهَا} أي حتى تنقضي الحرب وتنتهي بوضع آلاتها وأثقالها، وتنتهي الحرب بين المسلمين والمناوئين له، وذلك بعز الإِسلام واندحار المشركين {ذَلِكَ وَلَوْ يَشَاءُ اللَّهُ لانتَصَرَ مِنْهُمْ} أي الأمر فيهم ما ذُكر، ولو أراد الله لانتصر منهم وأهلكهم بقدرته، دون أن يكلفكم - أيها المؤمنون - قتالهم، قال ابن كثير: أي لو شاء الله لانتقم من الكافرين بعقوبةٍ ونكالٍ من عنده {وَلَكِنْ لِيَبْلُوَ بَعْضَكُمْ بِبَعْضٍ} أي ولكنَّه أمركم بجهادهم ليختبر إِيمانكم وثباتكم، فيظهر حال الصادق في الإِيمان من غيره كما قال تعالى {ولنبلونكم حتى نعلم المجاهدين منكم والصابرين} وليبتلي المؤمنين بالكافرين والكافرين بالمؤمنين، فيصير من قُتل من المؤمنين إلى الجنة، ومن قتل من الكافرين إلى النار ولهذا قال {وَالَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَلَنْ يُضِلَّ أَعْمَالَهُمْ} أي والذين استشهدوا في سبيل الله فلن يُبطل الله عملهم، بل يكثّره ويضاعفه وينمّيه {سَيَهْدِيهِمْ} أي سيهديهم إلى ما ينفعهم في الدنيا والآخرة، بتوفيقهم إلى العمل الصالح وإِرشادهم إلى الجنة دار الأبرار {وَيُصْلِحُ بَالَهُمْ} أي ويُصلح حالهم وشأنهم {وَيُدْخِلُهُمُ الْجَنَّةَ عَرَّفَهَا لَهُمْ} أي ويدخلهم الجنة دار النعيم بيَّنها لهم بحيث يعمل كل واحدٍ منزله ويهتديإِليه، قال مجاهد: يهتدي أهلُها إلى بيوتهم ومساكنهم لا يخطئون كأنهم ساكنوها منذ خُلقوا وفي الحديث (والذي نفسي بيده إِن أحدهم بمنزله في الجنة أهدى منه بمنزله الذي كان في الدنيا) وقيل {عَرَّفَها لَهُمْ{ أي طيبها لهم وعطّرها من العرف وهو الرائحة الزكية {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ ءامنوا إِنْ تَنصُرُوا اللَّهَ يَنصُرْكُمْ} أي إِن تنصروا دينه ينصركم على أعدائكم {وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ} أي ويثبتكم في مواطن الحرب {وَالَّذِينَ كَفَرُوا فَتَعْسًا لَهُمْ} أي والذين كفروا بالله وآياته فهلاكاً وشقاءً لهم، وهو دعاءٌ عليهم بالتعاسة والخيبة والخذلان {وَأَضَلَّ أَعْمَالَهُمْ} أي أبطلها وأحبطها لأنها كانت في طاعة الشيطان {ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَرِهُوا مَا أَنزَلَ اللَّهُ} أي ذلك التعس والإِضلال بسبب أنهم كرهوا ما أنزل الله من الكتب والشرائع، قال الزمخشري: أي كرهوا القرآن وما أنزل الله فيه من التكاليف والأحكام، لأنهم قد ألفوا الإِهمال وإِطلاق العَنان في الشهوات والملاذِ فشقَّ عليهم ذلك وتعاظمهم {فَأَحْبَطَ أَعْمَالَهُمْ} أي أذهبها وأضاعها لأن الإِيمان شرط لقبول الأعمال، والشرك محبطٌ للعمل.
{ذلك بأن الله مولى}: قال قتادة: نزلت يوم أُحد والنَّبي صلى الله عليه وسلم في الشِّعْب، إذ صاح المشركون: يوم بيوم، لنا العُزَّى ولا عُزَّى لكم، فقال النَّبي صلى الله عليه وسلم: "قولوا: الله مولانا، ولا مولى لكم" وقد تقدّم ذلك.
نزول الآية (13):
{وَكَأَيِّنْ من قرية}: أخرج أبو يعلى وابن أبي حاتم عن ابن عباس قال: لما خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم تلقاء الغار، نظر إلى مكة، فقال: أنتِ أحبّ بلاد الله إليّ، ولولا أن أهلك أخرجوني منك، لم أخرج منك، فأنزل الله: {وَكَأَيِّنْ من قرية هي أشدّ قوة من قريتك التي أخرجتك} الآية. وذكره الثعلبي أيضاً عن قتادة وابن عباس، وهو حديث صحيح.
الحاجه وسام عضو مبدع جدا
عدد الرسائل : 1939 العمر : 58 أوسمة : تاريخ التسجيل : 12/06/2008
موضوع: رد: تفسير سوره محمد الأحد يونيو 22, 2008 11:07 am