أباح الإسلام استثمار المال عن طريق التجارة . قال تعالى :.(يا أيها الذين آمنوا لا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل، إلا أن تكون تجارة عن تراض منكم). (النساء: 29).
وأثنى على الضاربين في الأرض للتجارة فقال: (وآخرون يضربون في الأرض يبتغون من فضل الله). (المزمل: 20).
ولكن الإسلام سدَّ الطريق على كل من يحاول استثمار ماله عن طريق الربا فحرم قليله وكثيره، وشنع على اليهود إذ أخذوا الربا وقد نهوا عنه، وكان من أواخر ما نزل من القرآن قوله تعالى في سورة البقرة :.(يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وذروا ما بقى من الربا إن كنتم مؤمنين * فإن لم تفعلوا فأذنوا بحرب من الله ورسوله وإن تبتم فلكم رءوس أموالكم لا تظلمون ولا تظلمون) .(البقرة: 278، 279).
وأعلن الرسول - صلى الله عليه وسلم - حربه على الربا والمرابين، وبين خطره على المجتمع فقال: " إذا ظهر الربا والزنا في قرية فقد أحلوا بأنفسهم عذاب الله ". (رواه الحاكم وصحح إسناده من حديث ابن عباس، وروى نحوه أبو يعلى بإسناد جيد من حديث ابن مسعود).
ولم يكن الإسلام في ذلك بدعًا في الأديان السماوية، ففي الديانة اليهودية جاء في العهد القديم: " إذا افتقر أخوك فاحمله، لا تطلب منه ربحًا ولا منفعة " (آية 24 فصل 22 سفر الخروج).
وفي النصرانية جاء في إنجيل لوقا: " افعلوا الخيرات، وأقرضوا غير منتظرين عائدتها وإذن يكون ثوابكم جزيلا " (24 -25 فصل: 6).
وإن كان الذي يُؤسَف له أن يد التحريف قد وصلت إلى العهد القديم فجعلت مفهوم كلمة: " أخوك " السالفة، خاصًا باليهودي، وجاء في سفر تثنية الاشتراع: " للأجنبي تقرض بربا، ولكن لأخيك لا تقرض بربا " (23: 19).
حكمة تحريم الربا
والإسلام حين شدَّد في أمر الربا وأكد حرمته، إنما راعي مصلحة البشرية في أخلاقها واجتماعها واقتصادها. وقد ذكر علماء الإسلام في حكمة تحريم الربا وجوهًا معقولة، كشفت الدراسات الحديثة وجاهتها، وأكدتها وزادت عليها.
ونكتفي بما ذكره الإمام الرازي في تفسيره :.
أولا: أن الربا يقتضي أخذ مال الإنسان من غير عوض، لأن من يبيع الدرهم بالدرهمين يحصل له زيادة درهم من غير عوض . ومال الإنسان متعلق حاجته . وله حرمة عظيمة . كما في الحديث: " حرمة مال الإنسان كحرمة دمه " (أخرجه أبو نعيم في الحلية) . فوجب أن يكون أخذ ماله من غير عوض محرمًا.
ثانيا: أن الاعتماد على الربا يمنع الناس عن الاشتغال بالمكاسب وذلك لأن صاحب الدرهم إذا تمكن بواسطة عقد الربا من تحصيل الدرهم الزائد نقدًا كان أو نسيئة، خفَّ عليه اكتساب وجه المعيشة، فلا يكاد يتحمل مشقة الكسب والتجارة والصناعات الشاقة وذلك يفضي إلى انقطاع منافع الخلق . ومن المعلوم أن مصالح العالم لا تنتظم إلا بالتجارات والحرف والصناعات والعمارات.
" ولا شك أن هذه الحكمة مقبولة من الوجهة الاقتصادية ".
ثالثًا: أنه يفضي إلى انقطاع المعروف بين الناس من القرض، لأن الربا إذا حُرَّم طابت النفوس بقرض الدرهم واسترجاع مثله، ولو حل الربا لكانت حاجة المحتاج تحمله على أخذ الدرهم بدرهمين، فيفضي ذلك إلى انقطاع المواساة والمعروف والإحسان.
" وهذا تعليم مسلم من الجانب الأخلاقي ".
رابعًا: أن الغالب أن المقرض يكون غنيًا، والمُستقرِض يكون فقيرًا فالقول بتجويز عقد الربا تمكين للغنى من أن يأخذ من الفقير الضعيف مالاً زائدًا وذلك غير جائز برحمة الرحيم. (تفسير الفخر الرازي ج7 طبعة عبد الرحمن محمد، بتصرف قليل).
وهذه نظرة إلى الجانب الاجتماعي ".
ومعنى هذا أن الربا فيه اعتصار الضعيف لمصلحة القوي، ونتيجته أن يزداد الغنى غني والفقير فقرًا . مما يفضي إلى تضخم طبقة من المجتمع على حساب طبقة أو طبقات أخرى، مما يخلق الأحقاد والضغائن، ويورث نار الصراع بين المجتمع بعضه مع بعض، ويؤدي إلى الثورات المتظرفة والمبادئ الهدامة . كما أثبت التاريخ القريب خطر الربا والمرابين على السياسة والحكم والأمن المحلي والدولي جميعًا