الإسلام دين شامل
الإسلام هو الرسالة التى امتدت طولاً حتى شملت آباد الزمان وامتدت عرضاً حتى انتظمت آفاق الأمم وامتدت عمقاً حتى استوعبت شئون الدنيا والآخرة .
إنها هداية الله تصحب الإنسان أنى اتجه وأنى سار فى أطوار حياته طفلاً ويافعاً وشاباً وكهلاً وشيخاً وترسم له فى كل هذه المراحل المتعاقبة المنهج الأمثل إلى ما يحبه الله ويرضاه .
إنها رسالة الإنسان كله فى أى طريق يسلكه وفى أى نشاط يقوم به : مادياً كان أو روحياً ، فردياً أو اجتماعياً ، فكرياً أو عملياً ، دينياً أو سياسياً ، اقتصادياً أو أخلاقياً .
فليس فى الإسلام " دع ما لقيصر لقيصر وما لله لله " فالذى أمر بالصلاة فقال :" وأقيموا الصلاة " قال أيضاً" كتب عليكم القصاص " والذى أمر بالصيام أمر كذلك بالقتال فقال :" قاتلوا الذين لا يؤمنون بالله "، وهكذا حتى يدخل الناس فى الإسلام كله كما قال تعالى :" يا أيها الذين آمنوا ادخلوا فى السلم كافة " ، فليس الإسلام ركوع وسجود فى المسجد وكذب وغش فى الأسواق وليس فى الإسلام صيام فى رمضان وتكاسل عن العمل .
وتتمثل ظاهرة الشمول الإسلامى فى عبادته ، فالعبادة فى الإسلام تستوعب الكيان البشرى كله فالمسلم لا يعبد الله بلسانه فحسب أو ببدنه فقط أو بقلبه لا غير أو بعقله مجرداً أو بحواسه وحدها بل يعبد الله بهذه كلها فالصلاة تتجلى فيها عبادة اللسان بالتلاوة والتكبير والتسبيح والدعاء ، وعبادة الجسم بالقيام والقعود والركوع والسجود ، وعبادة العقل بالتفكر والتأمل فى معانى القرآن وأسرار الصلاة ، وعبادة القلب بالخشوع والحب لله ، والشعور بمراقبة الله .
والعبادة فى الإسلام تشمل كل عمل نافع يقوم به المسلم لخدمة المجتمع أو مساعدة أفراده وخصوصاً الضعفاء وذوى العجز والفاقة منهم ولذلك جاءت الأحاديث الكثيرة التى تحث على الصدقة حتى جعلت إماطة الأذى عن الطريق صدقة وحمل الرجل الضعيف على دابته صدقة وكل معروف صدقة .
ويدخل فى دائرة العبادة : سعى الإنسان على معاشه ومعاش أسرته ليغنيهم بالحلال ويعفهم عن السؤال فالرسول - صلى الله عليه وسلم - قد اعتبر من فعل ذلك "فى سبيل الله " أى فى جهاد كجهاد الميدان وقتال أعداء الله .
وأكثر من ذلك أنه جعل من وضع شهوته فى حلال كان له بها أجر ولما عجب الصحابة من ذلك ، قال لهم النبى :"أليس لو وضعها فى حرام كان عليه وزر"؟ قالوا :بلى.قال:"فكذلك لو وضعها فى حلال كان له أجر .
ويبرز الشمول فى مجال السياسة : فالإسلام أبداً لم يكن فى يوم من الأيام ركعات وتسابيح فى وقت معين وفى مكان محدد ..إن الإسلام دين ودولة وحقائق الإسلام تدحض أباطيل خصومه الذين قالوا لا سياسة فى الدين ولا دين فى السياسة فلا يعقل أن يعبد المسلم إلهاً فى مجلس النواب وآخر فى المسجد فالذى خلق هو الذى يحق له التشريع لأنه العالم بمن خلق والعالم بما يصلحه ويناسبه ..ولذلك وجدنا النبى - صلى الله عليه وسلم - يرفض لإسلام قوم اشترطوا أن يكون لهم نصف الملك بعد وفاته فإن الأرض لله يورثها من من يشاء من عباده وتطبيق القانون وهو السياسة المحضة فى الدولة كان مهمة النبى - صلى الله عليه وسلم - ثم الخلفاء من بعده فيطبق حد الزنى على الزانية وحد السرقة على السارقة وحد القتل على القاتل .
وكان من السياسة فى الإسلام أن عقد النبى - صلى الله عليه وسلم - معاهدات مع اليهود فى المدينة ومع قريش ومع غيرهما أما الحروب والمعارك والفتوحات فما كان أكثرها فى عهد النبى - صلى الله عليه وسلم - وفيمن حكم بلاد المسلمين من بعده .
وبهذا الفهم لم يدفن الصحابة النبى - صلى الله عليه وسلم - إلا بعد أن اجتمعوا فى سقيفة بنى ساعدة ليختاروا الخليفة الذى يُحكِّم فيهم شرع الله عز وجل لأنهم علموا أن المصحف لابد أن يحميه السيف وأن الله تعالى يزغ بالسلطان ما لا يزغ بالقرآن ..أبعد هذا يقول قائل : لا سياسة فى الدين ولا دين فى السياسة؟!!
ويبرز الشمول كذلك فى ميدان الأخلاق والفضائل: فالأخلاق فى الإسلام لم تدع جانباً من جوانب الحياة الإنسانية : روحية أو جسمية ، دينية أو دنيوية ، عقلية أو عاطفية ، فردية أو اجتماعية ، إلا رسمت له المنهج الأمثل للسلوك الرفيع فما فرقه الناس فى مجال الأخلاق باسم الدين وباسم الفلسفة وباسم العرف أو المجتمع ، قد ضمه قانون الأخلاق فى الإسلام فى تناسق وتكامل وزاد عليه .
فمن أخلاق الإسلام ما يتعلق بالفرد فى كافة نواحيه بمثل قوله تعالى: (وكلوا واشربوا ولا تسرفوا )، وقول الرسول - صلى الله عليه وسلم - "إن لبدنك عليك حقاً".
ومن أخلاق الإسلام ما يتعلق بالأسرة : كالعلاقة بين الزوجين
وعاشروهن بالمعروف ) وكالعلاقة بين الأبوين والأولاد : (ووصينا الإنسان بوالديه إحساناً ) وكالعلاقة بين الأقارب والأرحام (وآت ذا القربى حقه) .
ومن أخلاق الإسلام ما يتعلق بالمجتمع : فى آدابه مثل
لا تدخلوا بيوتاً غير بيوتكم حتى تستأنسوا وتسلموا على أهلها ) وفى اقتصاده ومعاملاته
ويل للمطففين * الذين إذا اكتالوا على الناس يستوفون * وإذا كالوهم أو وزنوهم يخسرون ) . وفى سياسته وحكمه ( وإذا حكمتم بين الناس أن تحكموا بالعدل ) .
ومن أخلاق الإسلام: ما يتعلق بغير العقلاء من الحيوان والطير كما فى الحديث:"اتقوا الله فى البهائم المعجمة ،فاركبوها صالحة ،وكلوها صالحة "
والتشريع فى الإسلام تشريع شامل كذلك : إنه لا يشرع للفرد دون الأسرة ولا للأسرة دون المجتمع ولا للمجتمع منعزلاً عن غيره من المجتمعات.
إن تشريع الإسلام يشمل التشريع للفرد فى تعبده وصلته بربه ويشمل التشريع للفرد فى سلوكه الخاص والعام وهذا يشمل ما يسمى (الحلال والحرام) ويشمل التشريع ما يتعلق بالأسرة من زواج وطلاق ونفقات ورضاع وميراث ،ويشمل التشريع للمجتمع فى علاقاته المدنية والتجارية وما يتصل بتبادل الأموال والمنافع من البيوع والإجارات والقروض والمداينات والرهن والحوالة والكفالة والضمان وغيرها . ويشمل التشريع ما يتصل بالجرائم وعقوبتها المقدرة شرعاً كالحدود والقصاص والتعازير .
ويشمل التشريع الإسلامى ما يتعلق بواجب الحكومة نحو المحكومين وواجب المحكومين نحو الحكام ويشمل التشريع الإسلامى ما ينظم العلاقات الدولية فى السلم والحرب بين المسلمين وغيرهم .
ومن هنا لا توجد ناحية من نواحى الحياة إلا دخل فيها التشريع الإسلامى آمراً أو ناهياً أو مخيراً .
وحسبنا أن أطول أية نزلت فى كتاب الله تعالى ، نزلت فى تنظيم شأن من الشئون المدنية وهو المداينة وكتابة الدين .
ولقد عاب القرآن على بنى إسرائيل تجزئتهم أحكام دينهم تبعاً لأهوائهم ، يأخذون منها ما راقى لهم ويدعون ما لم يرق لهم فقرعهم الله على ذلك أشد التقريع فقال
أفتؤمنون ببعض الكتاب وتكفرون ببعض ، فما جزاء من يفعل ذلك منكم إلا خزى فى الحياة الدنيا ، ويوم القيامة يردون إلى أشد العذاب ، وما الله بغافل عما تعملون * أولئك الذين اشتروا الحياة الدنيا بالآخرة ، فلا يخفف عنهم العذاب ولا ينصرون ) .
ولا يمكن أن تصلح الحياة إذا تولى الإسلام جزءاً منها كالمساجد والزوايا يحكمها ويوجهها وتترك للعلمانية المدرسة والجامعة والمحكمة والإذاعة والتلفاز والصحافة والمسرح والسينما والسوق والشارع والحياة كلها فالإسلام سياسة وأخلاق واقتصاد وثقافة وقانون وجهاد .
وقد قال الإمام الغزالى :"الدنيا مزرعة الآخرة ولا يتم الدين إلا بالدنيا ، والملك والدين تؤمان فالدين أصل والسلطان حارس وما لا أصل له فمعدوم وما لا حارس له فضائع ولا يتم الملك والضبط إلا بالسلطان ".
فالإسلام نظام شامل يتناول مظاهر الحياة جميعاً فهو حكومة وأمة وهو رحمة وعدالة وهو علم وقضاء وهو كسب وغنى وهو جهاد وقوة كما هو عقيدة صادقة وعبادة صحيحة سواء بسواء .
ومن لم يقنعه ما سبق فليستمع إلى أقوال الغربيين أمثال الأستاذ جب الذى يقول :"عندئذ صار واضحاً أن الإسلام لم يكن مجرد عقائد دينية فردية وإنما يستوجب إقامة مجتمع مستقل له أسلوبه المعين فى الحكم وله قوانينه وأنظمته الخاصة به ".
ومثل السير توماس أرنولد الذى يقول :"كان النبى فى نفس الوقت رئيساً للدين ورئيساً للدولة ".
ويعلنها الدكتور شاخت بقوله :"على أن الإسلام يعنى أكثر من دين إنه يمثل أيضاً نظريات قانونية وسياسية . وجملة القول إنه نظام كامل من الثقافة يشمل الدين والدولة معاً ".
وقال المسيحى نصرى سلهب اللبنانى :"فى الدين الإسلامى من الشمول والرحب ما يجعله يفتح ذراعيه لجميع البشر دون أن يؤثر فى قوميتهم وولائهم لأمة إليها ينتسبون ودون أن يؤثر فى إيمانهم وولائهم لدين يعتنقون"